الخميس، 23 أبريل 2009

تغيير عنوان مدونتي ورابطها

لأن الرابط القديم طويل وغير عملي، غيرت رابط مدونتي إلى الآتي:

www.ahmedoman.blogspot.com

نرجو من جميع المتابعين أن يتابعوا كتاباتي في الرابط أعلاه

عذرا على الإزعاج

وشكرا لمتابعتكم

السبت، 14 مارس 2009

الرحلة الزمردية إلى الديار الهندية - الجزء الأول


لأول مرة في حياتي دخلت مكتب السفريات ليلة السبت في الأسبوع قبل الأخير قبل بدء العام الدراسي 2003/2004م، ولأول مرة في حياتي أيضا، اشتريت، من حر مالي، تذاكر سفر إلى حيدرآباد - المدينة المشهورة بتاريخها الإسلامي العريق في الهند - لي ولأمي ولأختي الرضيعة، ولأنها أول مرة، ارتكبت خطئين، اتضح فيما بعد أنهما فادحان: اشتريت تذاكر رحلة يتوقف خط سيرها في بومباي لتغيير الطائرة، وتركت تاريخ العودة مفتوحا دون تحديد، وكان موعد الرحلة ليلة الثلاثاء القادمة من نفس الأسبوع، وفي صباح السبت التالي، ذهبت لجوازات القرم لأصدر جوازا لأختي الرضيعة، وبعد رحلة مخاض عسيرة بين المكاتب، قال لي الشرطي سيجهز جوازك يوم الاثنين، فأخبرته أن ذاك قبيل موعد سفري بفترة حرجة، "فما قصر" قال لي مر علي غدا وستجده جاهزا، وقبيل خروجي وجدت شرطيا آخر من نفس ولايتي يعمل هناك، فعرفته على نفسي، وأخبرته عن معاملتي، قال انتظر قليلا، "وما قصر أكثر وأكثر" دخل في إحدى المكاتب، وأصدر الجواز في الساعة، (هذه ليست واسطة بل مساعدة).

ثم ذهبت للسفارة الهندية في روي، لإصدار تأشيرة لي ولأختي، وصلت هناك في تمام الثانية عشرة، وذاك موعد الإغلاق، ورأيت الحارس يقفل الباب أمامي، فشرحت له ظرفي وطلبت منه باستجداء أن يدخل الجوازات إليهم في الداخل، وسآتي لاستلامها لاحقا، إلا أنه رفض أن يدخل معاملتي؛ لأنه لم يكن من نفس ولايتي بل من ولاية أخرى بعيدة، لذا رجعت وقد اقتنعت أن العيد لا يأتي في نفس اليوم مرتين، وعدت لمنزل صديق لي في الغبرة لأنام عنده، وفي صباح يوم الأحد، وقبل أن أتوجه للسفارة، ذهبت إلى مكتب مدير المعهد الذي كنت أدرس فيه، وكنت حينذاك في الصف الثاني الثانوي، لأخبره بأني سأتغيب عن الأسبوع الأول من الدراسة، "فما قصر هو الآخر"، وقال:"لا تطوّل أكثر من أسبوع" ـ"إن شاء الله، أستاذ، ولا يهمك"، ثم اتضح أنه هو الآخر ذاهب إلى روي لإنجاز معاملة في إحدى شركات التأمين، فأخذني معه. ونظام السفارة يقتضي أن تملأ استمارة طلب التأشيرة، ثم تسلمها مع الجوازات للموظف المسؤول لتأتي لاستلامها في فترة ما بعد الظهيرة، المشوار طويل من روي إلى الغبرة، ولكن "الحاجة مسودة وجه"، "واللهم لا اعتراض"، وكنت قد اتفقت مع المدير بأنه إذا اتفق وقت انتهائي مع وقت خروجه من الشركة فسنعود مع بعض، ولحسن حظي، قضي للوقتين أن يتفقا، ورجعنا إلى مقر المعهد في الغبرة، وكان المدرسون هناك يعدون العدة والعتاد للعام الجديد، تجولت بينهم قليلا ثم فورا للصلاة، وبعد خروجي من المسجد مصليا الظهر، وجدت أحد أصدقائي القدامى الذي غاب عن ناظري فترة طويلة من الزمن، فتعانقنا وتصافحنا وتبادلنا العلوم والأخبار، ومن أخباره أنه اشترى سيارة جديدة، ومن أخباري ما عرفتم، فعرض أن يأخذني للسفارة ويرجعني منها، وتسوق لك الأقدار خيرا وأنت لا تدري.

بعد التجوال الطويل، عدت إلى السويق، جهزنا متاعنا، واشترينا الحلوى العمانية، هدية لأخوالي في الهند، وبالطبع حولنا الريال العماني إلى روبية هندية، تمام التمام، كل شيء جاهز، هيا نركب الطائرة، ولكن قبل ذلك هناك ملاحظة: في طريقنا إلى المطار، أعطيت السائق شريط أناشيد "بديع الزمان" ليشغله لنا أثناء سيرنا، وذاك الشريط غدا دوما يثير شجوني عندما أستمع له بعد عودتي من الهند، لأنه ارتبط بذكريات مركبة: توديع والدي لنا؛ مرافقة إخوتي لنا في الطريق؛ وسعادة أمي؛ وأيضا نسي السائق أن يرجع الشريط إلي! وقد مضت ست سنوات تقريبا وما زلت أتمنى أن يعود.

الأربعاء، 11 مارس 2009

المطاوعة، وما أدراك ما المطاوعة؟

أولا: في هذه المدونة أدون أفكاري القابلة للتطوير كلما اكتسبت خبرة أكثر أو انكشفت لي بعض الحقائق المتخفية.
ثانيا: لا أحبذ أن أتبع الأسلوب الأكاديمي - كما يعلمونا في الجامعة، وكما شدد أحد زملائي علي ليلة البارحة على ضرورة انتهاجه حتى أحسن من صورتي أمام العالم -، وفي الحقيقة، فأنا لا أريد أن أحسنها، أريد الناس أن يروا صورتي الحقيقة، وإن لم تعجبهم (فالأفضل أن يكون لسبب منطقي يقنعني، وإلا فالباب يطوف جمل).
وسأتكلم هنا بالطريقة العادية في عرضها (استخدام العامية أحيانا)، الغنية بالأفكارفي نفس الوقت، وذلك حتى لا يجرني الناس إلى محاكمهم على كل صغيرة وكبيرة إن أنا "تفرعنت" وأعلنت أنني أسطر هنا الحقيقة الأكاديمية الصرفة.

وهذا المنهج أتبعه في كثير من تعاملاتي، والسبب وراءه أنني مطوع.

وقبل أن أتحدث بلسان غيري من المطاوعة، وللعلم فهم مختلفون لأصناف عديدة، وحشرهم كلهم في فئة واحدة، مشابه لما فعله فاتحوا القارة الأمريكية عندما قتلوا التعدد الثري للقبائل الأصلية هناك، والمختلفة في تقاليدها ولغاتها وأطلقوا عليهم كلهم "الهنود الحمر"، ثم أخذوا يطلقون عليهم أحكاما عامة بأنهم كلهم كذا، وكلهم يفعلون كذا، وذلك بعيد كل البعد عن الصواب والمنطق والمنهجية السليمة. (لا أريد أن يأتي أحد ويقول أني قلت أن المطاوعة هنود حمر، أنا عارف أن أحد المتفيهمين سيفعل ذلك، ولكن هذا مجرد تشبيه لنقطة "حشر جماعات مختلفة تحت غطاء أسود مظلم واحد لا يكشف للرائي عن حقيقة تفاصيل ما وراءه). "أيوا ويش كنا نقول؟، نعم" قبل أن أتحدث عن هؤلاء أحب أن أسرد تجربتي، عل البعض يفهمني ثم يضعني في خانة مختلفة خاصة بي، ولا يقارني أبدا "بذاك المطوع اللي شافه ذيك اليوم واللي استوى معاه موقف ما حلو".

أنا والدي - رحمة الله عليه - من المطاوعة القدامى الذين من الله عليهم بحفظ القرآن وتعلم علوم الشريعة، وكان معلما للقرآن في قريتنا، ومن هذه الحقيقة أرغب أن أخبركم شيئين:
- أن الخلفية العائلية أثرت في الشخصية التي أصبحتها وكان لها دور مهم ولكنه ليس الأساسي.
- أنك عندما ترى تشدد "بعض المطاوعة" في الدفاع عن أنفسهم، فهم يدافعون عن "آبائهم"، أو عن مثلهم العليا التي يقتدون بها، ولم يستنكر البعض هذا أشد الاستنكار، ولا يستنكر - هو نفسه - تشدد البعض في الدفاع عن بعض لاعبي الكرة والمغنيات وعمن يقلدهم، ويصم الفريق الأول بالتخلف، والآخر بالانفتاح، خلونا - على الأقل - عادلين، ونعطي المطاوعة حق المساواة مع غيرهم، في تشجيع مثلهم العليا، ولو بالغوا أحيانا في بعض المناسبات، كما أنكم لا ترون بأسا في أن يعبر الشباب عن فرحتهم ببعض المبالغة إن فاز فريقه، ولا أقصد بالمبالغة "خرق القوانين"، بل الزينة التي تملأ الشوارع والسيارات.

- الجانب الآخر الذي أثر في شخصيتي: نوعية الكتب التي كان أبي - رحمه الله - يشتريها، والتي عودنا على قراءتها منذ نعومة أظفارنا، هذا الكم الهائل من المعلومات التي يتلقاها المطوع (الأصلي وليس المتحول حديثا)، تؤثر كثيرا فيمن سيكون، ودعونا الآن من قضية "عدم تفريق الغث والسمين من تراثنا"، والتدين اللاواعي والذي أعتقد بأهميتهما، ولكننا الآن أمام حقيقة أنه قد وجد في الوجود كائن يختلف عن البعض في أفكاره التي زرعت فيه منذ صغره، ولا بد أن يعترف هذا البعض أولا بهذا الوجود، كما يعترف باليهودي والملحد وغيرهما، وهذا الاعتراف ليس مجرد تشدقات باللسان، لا بد أن يكون له أثر، فأنت عندما تحرم هذه الفئة من الدخول في بعض الوظائف إلا إن تخلت عن بعض مبادئها، وعندما تنظر إليهم نظرة دونية ولا تصافحهم إلا بطرف أصابعك، وعندما تضيق عنهم الخناق في البوح بأفكارهم، وعندما لا تريد أن تنظر للأمر من وجهة نظرهم، ولا تريد أن تتعرف ولو قليلا على طريقة تفكيرهم، فما أنت إلا متشدق. وفي نفس الوقت فإن هذا الاعتراف لا يخول المطاوعة أن يتصرفوا في رقاب الناس كما يحلو لهم.

وهذا يقودنا إلى نقطة أن الانتقاد ينبغي أن يكون إلى تصرفاتهم (وهذا ضمنا يعني عدم التعميم في الحديث عنهم)، وليس مقبولا انتقاد من مثل:"والله ما عاجبني شكلك، فور ويل ... الخ)، وهذا أمر يوافق عليه العقلاء ظاهرا، ولكن أفعالهم وكتاباتهم تنبي عن خلاف ذلك.

وعامل آخر: هو دخولي لمعهد العلوم الإسلامية، والذي كان له الدور الأساسي في تكوين شخصيتي، حيث تلقيت العلوم الشرعية من منبعها، ودرست الأمر من جوانب مختلفة، واحتككت مع طوائف مختلفة، ودفعني شعوري بأني مختلف حتى عن بعض أفراد عائلتي، والذي بعضهم عارض "مطوعيتي"، وقال أنها موضة وستزول، وسأسقط كما سقط غيري، دفعني ذلك كله للبحث الحقيقي عمن أريد أن أكون، للبحث عن الإجابات لكل الأسئلة والشبهات، حتى وصلت إلى ما وصلت عليه.

أنا مطوع أي مطيع لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالطريقة التي فهمها بعض العلماء الذين أثبتت الشهرة القاطعة صدقهم واجتهادهم وتمكنهم من أدوات فهم الدين، وهذا لا يعني التقليد الأعمى أو تقديس الرجال، فلا بد أن يكون الوعي بسبب تحليل هذا وسبب تحريم هذا موجودا حتى لا تكون "مطوعية جوفاء"، وعلى سبيل المثال: عند نزول بعض الفتاوى الجديدة من هؤلاء العلماء فإني لا أسارع بتطبيقها فورا قبل التأني والتمعن، وأنا أثق فيهم في أمور العبادة والمعاملات الشرعية فقط، والتي لا يمكن للمرء أن يكون رأيا أفضل من الذي أنزله الله عزوجل ورسوله، ودعوى أن هذه الأمور هي من تفسير العلماء لنصوص الدين من دون وجود دليل على أن الدين أراد ذلك، هي باطلة فالدليل موجود، والعالم الحق لا بد أن يعرضه وبإمكان أي شخص إن كان يمتلك الأدوات اللازمة أن يعارض ذلك الدليل، وإلا فليصمت، ولا يدع جهله بأمور الدين وطرق تفسيره المقبولة يدفعه للحط من قدر العالم ورفض كل أقواله المدعمة بالحجج والممكن إثباتها، ثم يأتي بدين آخر من عنده ما أنزل الله به من سلطان، ويعيث في الأرض الفساد، وينكر البعض مركزية العلماء وتسلطهم على رقاب الناس "كما يدعي" وهي دعوى باطلة "أي التسلط"، ولكننا نراه هو نفسه يفرض من ثم آراءه التي جلبها من "حيالله مصدر"، ويطالب بحرية الرأي لرأيه، ولكنه لا يريد حرية الرأي للفريق الآخر، وهذا كما ذكرت مرارا هو من البعض، وليس الكل، وأنا هنا أرد على البعض الذي أرى أن له نفوذا وخطرا.

ومع ذلك، فأنا لا أتابع العلماء في كل ما يقولونه، وخاصة في كيف ينبغي أن أصرف دنياي وعلاقاتي مع أهلي وإخواني، فأنا أفهم الضوابط العامة للدين، ثم بعد ذلك فإن التطبيق يختلف حسب الظرف المكاني والزماني والعوامل الأخرى، هذه صورة عامة، ولكن التفاصيل قد تختلف، وهنا تكمن المشكلة، أن الناس يريدون أن يدعوا العلم بالشيء قبل أن يطلعوا على تفاصيله، ومن أهم التفاصيل التي يغفلها منتقدو المطاوعة، أن المطاوعة بشر حالهم حال كل الناس، يحبوا أن يأكلوا الطيب، وأن يصعدوا الجبال، وأن يتزلجوا على الجليد، وأن يعيشوا حياتهم، لذا فهم طبعا سيخطئون وتبدر منهم الهنات

وفي نفس الوقت على المطوع أن يتحمل مسؤولية قراره بأن يصبح مطوعا، وأن يكون قدر المسؤولية، ولكن قلي من الكامل؟ لذا أنا أتبع المنهجية التي ذكرتها في أول المقال: دائما أحب أن أؤكد للناس بشريتي بتعمدي ارتكاب بعض الهنات البسيطة أمامهم حتى يتعودوا علي، ويعرفوا شخصيتي، ولا يجرونني كل يوم إلى محاكمة !

وإلى لقاء آخر

أحمد السابعي

مسقط (سكن جامع الحوسني في خريس الحبوس/السيب)

الثلاثاء، 10 مارس 2009

False Judgement (imaginary



False Judgment
Ahmed Hamed Al Sabei

On a sunny and very hot day, I was walking down an alley in my village when I suddenly bumped into a full-bodied, tall and bald man. His appearance shocked me so much that I fell down, for he had a deep and red scar on his forehead. What made me more confused and shocked that he left me on the ground without uttering a single word and with a grim look on his face, as if the situation was completely my fault. Being very sensitive, I became so obsessive about the whole incident that I spent months talking badly about him with anyone I met. Later, I discovered that he was a fisherman whose name was Salem, and he lived alone and never mingled with people in real life contact. My first and natural feelings about Salem were that he was a cruel, insensitive and emotionless man; however, my impression was proved to be wrong years later, and I found that he was, in his own way, the most kind and caring person I have ever met.

My initial reaction, that Salem was a cruel and harsh man, was due partly to his distinctive body features and mainly to his cold and insensitive attitudes towards others. He had a huge rounded body, and was relatively tall. A little short hair was wandering on the top of his scalp which was supposed to make people laugh; instead of that, his red scar had made them disappear. For several years, I kept meeting him, accidentally, at the rare times he went out in public in the village allies, in the suq, where he came to sell his daily stock of fish, and in the mosque; and I never had a conversation with him, nor did most of the villagers. The only words, which came out of his mouth, were the prices of his fish. Even then, he would not argue or discuss anything. This kind of behavior circled him with an unnecessary atmosphere of uneasiness and disaffection.

Then, in a very long night, a strange incident made me change my opinion of him completely. At that night, my whole body was sweating and I could not sleep, so I went out for fresh air. To my great astonishment, I found Salem sneaking out on his toes from one of the village's allies, carrying a huge bag on his back. I followed him secretly to discover what he was doing. He went to certain houses in the village and left some items in front of the doors. They were small bags of rice and of other types of food and they were given in this secret manner for all people in need in our village. This incident really opened my eyes on a very different part of his personality which was kept hidden for a long time. I discovered, then, that I had never tried honestly to understand him. Therefore, in the early morning of the next day, I started questioning all the villagers about him and his past, but only a very few of them were able to tell me the truth; and only after a dogged persistence of my side for they had promised Salem that they would not tell anybody his story. His beloved wife and children had died in a car accident and that devastated him completely. He cut off all the people around him and abandoned everything in his life except two things: his charity acts, and his work.

Now, I believe that he was the most kind and caring person I have ever met, despite his gloomy and emotionless appearance. And, although his behavior might have seemed to others inexcusable, I have understood his situation fully. He was very attached to his young and beautiful bride and to his children who were everything in his life. However, shortly after the horrible accident, people insisted on his moving on and even started suggesting another bride for him. They did not appreciate his love to his dead wife and did not respect his grieve. Therefore, he boycotted all of them, stopped having conversations with them and never went out of his house except in case of emergency. However, the original kindness in his heart did not allow him to abandon his charity acts, so he continued doing them in his own way.

I went one day to his house, and after a series of long knocks, he opened the door. He did not show any signs that he was going to speak, so I seized the opportunity and apologized to him for all the bad talks I had said about him from his back. Then, I kept talking, explaining my whole point of view of him and what people had done to him, and saying that I understood his situation. Then, for my greatest joy, he let me in his house, and then we became best friends
.

قصيدة


أرسل لي زميلي خاطرة، فزارتني القريحة إحدى زياراتها النادرة، فقلت هذه الأبيات:


أنا حي وكل الموت يرصدني وأرصده


ولن أرضى بأن أحيا بلا ثمنٍ أكابده


ولن أشكو إذا ما غصت في حزَن ومنصبة


ولن أصخي لمن يبكي وتقلقني شواهده


سأبقى صامدا جلدا على شر ومسغبة


بلا خوف ينغصني ولا ندم أضاجعه


وأدعو الله دوما أن يؤيدنا بمرحمة


تسوق الخير ناصية الألى غفلوا بدائعه


هو المولى فلا هول يصنفنا بشرذمة


إليه الملتجى رب، فلا تفنى عوائده

زنجي يتحدث عن الأنهار (ترجمة)


لانجستون هاغس
ترجمة أحمد السابعي

لقد عرفت أنهارا :
لقد عرفت أنهارا قديمة قدم العالم
بل هي أقدم من تدفق الدم البشري
في عروق الإنسان

فارتقت روحي وأصبحت عميقة كعمق الأنهار

أنا في الفرات تطهرت عندما كان الفجر يافعا
وبنيت كوخا جنب نهر الكونغو فهدهد لي حتى أنام
أنا من اهتم بالنيل وشيد الأهرامات على ضفافه
أنا من استمع لغناء المسيسيبي حينما ذهب لنكولن
إلى نيو أورليانز، وقد رأيت صدر النهر الموحل يلمع ذهبا
عند الغروب


لقد عرفت أنهارا :
أنهارا قديمة، وقاتمة
فارتقت روحي وأصبحت عميقة كعمق الأنهار

الاثنين، 9 مارس 2009

صراع الديكة (نشرت في أشرعة) قصة خيالية


والدي طبيب بيطري، يأتي إليه الناس من كافة القرى المجاورة ليعالج لهم حيواناتهم المريضة، ويقدم لهم الأدوية والإرشادات حول كيفية العناية بها، ولكثرة مشاهدتي له يعالج ويتعامل مع مختلف أنواع الحيوانات والطيور، بدأت تدريجيا أتملك مقدرة التواصل معها، بدأت أفهمها وأفهم احتياجاتها، وذلك استحوذ على تفكيري وشغل بالي، فلا تراني إلا هائما في أرجاء القرية ألاحق طيرا هنا، وأمعن النظر في شاة ترضع وليدها هناك. وفي يوم من الأيام استدرجتني ملاحقتي لحمار يترنح ترنحا غريبا إلى خارج القرية حيث المزارع والبساتين، ومن بعيد لاحظت في أحد تلك البساتين الذي يبدوا أنه قد هجر منذ فترة لموت وتهاوي نخيله لاحظت حركة غريبة كأن مجموعة من الأشياء تصطدم ببعضها، لم أستطع تمييزها لبعد المسافة ولوجود شباك البستان وبعض الشجيرات في مرمى بصري، فتركت الحمار لحال سبيله وتوجهت نحوها، وكلما اقتربت تكشفت لي بعض الحقائق، إنها كائنات، نعم، ولونها أحمر قرمزي، إنها طيور، ما نوعها؟ اقتربت أكثر... يا للعجب إنها معركة طاحنة بين أربعة من الديكة، هرولت حتى وصلت إلى البستان فتحت الباب بصعوبة واختبئت خلف إحدى أشجار النخيل، أمر لا يصدق، ثلاثة من الديكة يهاجمون ديكا آخرا، لا، إنهم لا يهاجمونه إنهم يحاولون الوصول إلى شيء خلفه لم أستطع تمييزه لوجود كومة كبيرة من أوراق شجر المانجو، والديك يمنعهم بكل ما أوتي من قوة، يهاجم ذا بمنقاره ويكر على ذلك بمخالب أصابع رجليه الصغيرتين، ويضرب وجه الثالث بجناحيه، والريش الأحمر يتطاير في ساحة المعركة، بدا أنه في حالة استنفار عام، بدا أنه سيبذل روحه رخيصة دفاعا عن ذلك الشيء، عقدت الدهشة كل مفاصلي، ولغرابة الموقف وشدة وطيس المعركة لم يرف لي جفن، ولم أقوى على الحراك، ولكن بعد فترة لاحظت أن الديك المهاجَم بدت قواه تخور، وقد أنهكه التعب، وهدت عزيمته الجراح، ولما ظننت أن المعركة قاربت على الانتهاء إذا به يجري نحو تلك الكومة ويمسك برجليه شوكة نخيل ملقاة على الأرض، طويلة وسميكة، ويقفز بها في الهواء نحو أحد مهاجميه، طاعنا صدره، وجاعلا منه الدماء تسيل، ودب الرعب في الديكين الآخرين، وأخذا يفران مطلقان صيحات هلع وخوف، والثالث خلفهما يجر رجليه، حتى اختفوا عن الأنظار، لحظة صمت طويلة، وبعدها سقط الديك على الأرض كما تسقط النخلة الشامخة، استجمعت قواي وركضت نحوه، حملته بين ذراعي، ما زال يتنفس، أردت الرجوع به إلى البيت ولكن تذكرت أنه كان يدافع عن شيء ما باستماتة لا نظير لها، نظرت خلف الكومة فإذا دجاجة ملقاة على الأرض ترتجف ارتجافا شديدا، حملتها هي الأخرى ورجعت بها إلى البيت، وطوال الطريق هاجمتني آلاف الأسئلة حتى ظننت أصبت بالصداع، وصلت إلى البيت وطلبت من أبي أن يعالجهم، وأخذ يسألني بفضول عما حدث، ولكنني خرجت بسرعة عائدا إلى نفس المكان باحثا عن أجوبة، وإلا إن رأسي سينفجر، ولما وصلت أخذت نفسا عميقا وركزت كل قواي العقلية، وبدأت بالبحث، لماذا يهاجم الديكة ديكا، أو بالأحرى ماذا يريدون من دجاجة مريضة؟ هل يريدون أكلها، أم الاعتداء عليها، لا، مستحيل، لا تفكر الديكة بخبث هكذا كما يفعل الإنسان، نقبت تلك الكومة وبحثت جيدا فوجدت الجواب، توجد تحتها كمية ليست بالكبيرة من الحبوب، ويبدوا أنها قديمة، إذن الجوع هو السبب، ولكن لماذا تهاجم بعضها بعضا؟، لماذا لا تخرج للبحث عن الطعام؟ تجولت في أنحاء المزرعة فوجدتها قد سورت بشباك كبير تعلوه شبكات ملئت مسامير وحديدا تمنع دخول اللصوص، وجدت في إحدى تلك المسامير جثة ديك حاول الطيران هاربا وفشل، اتضحت كل جوانب القصة، هجر أصحاب البستان بستانهم المسور بإحكام، وقد أغلقوا الباب خلفهم، تاركين هذه الطيور دون أن يطلقوا سراحها، وربما تركوا أيضا كمية من العلف تكفي دهرا، ولكنه مع مرور الزمن قل وأصبح نادرا، فأخذت الطيور تهاجم بعضها بعضا بوحشية هكذا، خرجت أجر قدمي، وقد تركت الباب مفتوحا على مصراعيه.

السيد فوكس (ترجمة نشرت في العدد الثالث من ملحق الجسر)


قصة: هايدي آن هاينر
ترجمة: أحمد السابعي

كانت الآنسة ماري شابة جميلة، لها أخَوَان فقط، بينما لها من العشاق ما تعجز عن عدهم، ولكن من بينهم كلهم كان أشجعهم وأكثرهم شهامة السيد فوكس، الذي التقت به عندما أقامت لفترة في بيت أبيها الريفي، لم يكن أحد يعرف من هو السيد فوكس، لكنه قطعا كان شجاعا، و بلا شك من الأثرياء، ومن بين كل عشاقها اهتمت الآنسة ماري به فقط. وفي نهاية الأمر اتفقا على الزواج. سألت الآنسة ماري السيد فوكس عن مقر سكناهما بعد الزواج، فوصف السيد فوكس لها قلعته وأين تقع ولكن لم يطلب منها هي أو إخويها القدوم لرؤية القلعة، وهو ما استغربته الآنسة ماري.


لذلك وفي أحد الأيام قبيل موعد العرس، بينما كان أخوة الآنسة ماري خارج البيت، و السيد فوكس قد ذهب إلى مكان بعيد لمدة يوم أو يومين لقضاء بعض الأعمال ـ على حد زعمه - شرعت الآنسة ماري في البحث عن قلعته، وبعد عدة جولات بحث شاملة تمكنت أخيرا من الوصول إليها. كانت القلعة مبنى رائعا وقويا، محاطة بجدران عالية، وخندق مائي عميق، وعندما دنت من مدخل السور رأت مكتوبا عليه: " كن جسورا، كن جسوراا".


ولأن المدخل كان مفتوحا دخلت، ولم تجد أحدا؛ فصعدت إلى باب القلعة الداخلي، ووجدت مكتوبا عليه: "كن جسورا، كن جسوراا، ولكن لا تتهور".
ورغم التحذير واصلت تقدمها، حتى دخلت إلى الردهة، وارتقت الدرجات العريضة حتى وصلت إلى باب في رواق مكتوبا عليه:
" كن جسورا، كن جسوراا، ولكن لا تتهور
لكيلا تتجمد دماء قلبك من الخوف".
ولأن الآنسة ماري امرأة شجاعة؛ فتحت الباب، فماذا تظنون أنها رأت؟ لقد رأت أجسادا وهياكل لنساء جميلات ملطخة كلها بالدماء، عندها أحست الآنسة ماري أنها كان يفترض بها الفرار من ذلك المكان المروع قبل مدة، فأغلقت الباب ومشت في الرواق، وما كادت تهبط من الدرجات لتخرج من الردهة إلا ورأت من خلال النافذة السيد فوكس يجر امرأة جميلة وشابة طوال الطريق من مدخل السور إلى باب القلعة.
أسرعت الآنسة ماري بالنزول من الدرجات، واختبأت خلف برميل في الوقت المناسب، وفي نفس اللحظة دخل السيد فوكس ومعه المرأة المسكينة والتي بدا أنها قد أغمي عليها. وعندما أصبح بالقرب من الآنسة ماري، رأى السيد فوكس خاتما ماسيا يبرق لمعانا في إصبع المرأة الشابة التي كان يجرها، فحاول أن ينزعه، ولكنه ثابت في مكانه بإحكام يرفض أن يتزعزع أو يخرج، فأخذ السيد فوكس يلعن ويشتم، واستل سيفه من غمده، فرفعه وأنزله على يد تلك المرأة المسكينة، فبتر السيف يدها التي طارت عاليا في الهواء، وسقطت من بين أماكن العالم كلها في حضن الآنسة ماري. بحث عنها السيد فوكس لبرهة، لكنه لم يخطر بباله النظر خلف البرميل، لذا أكمل - أخيرا- جره المرأة الشابة صاعدا الدرج ثم إلى الغرفة الدموية.
وفي اللحظة التي سمعته يجتاز الرواق، زحفت إلى خارج الباب، ومنه نزولا إلى أن مرت خلال مدخل السور، ثم ركضت بكل ما أوتيت من قوة إلى بيتها.
واتفق أنه في اليوم التالي مباشرة سيكون التصديق على عقد زواج الآنسة ماري والسيد فوكس، وكان هناك إفطار فخم يسبقه. وبينما كان السيد فوكس جالسا على طاولة مواجها الآنسة ماري، نظر إليها، وقال " كم تبدين شاحبة هذا الصباح، عزيزتي".
ردت عليه"نعم" وأضافت:" لم أنم جيدا ليلة البارحة، لقد راودتني أحلام مروعة".
قال السيد فوكس: "دائما ما يأتي الواقع مخالفا للأحلام، ولكن أخبرينا حلمك، فصوتك العذب سيجعل الوقت ينساب حتى تأتي الساعة السعيدة".
قالت الآنسة ماري:" لقد حلمت أنني ذهبت صباح أمس بحثا عن قلعتك، ووجدتها في الغابة، بجدرانها العالية، وخندقها العميق، وقد كُتب على مدخل سورها: "كن جسورا، كن جسورا".
قال السيد فوكس:" لكن الواقع ليس كذلك، لا ولم يكن كذلك".
- وعندما أتيت إلى باب القلعة وجدت مكتوبا عليه: "كن جسورا، كن جسورا، ولكن لا تتهور".
- لكن الواقع ليس كذلك، لا ولم يكن كذلك.
- وعندما صعدت في الدرج، وأتيت إلى الرواق وجدت في نهايته بابا قد كتب عليه:" كن جسورا، كن جسورا، ولكن
لا تتهور، لكيلا تتجمد دماء قلبك".
- لكن الواقع ليس كذلك، لا ولم يكن كذلك.
- ثم ... ثم فتحت الباب، فإذا أجسادا وهياكل لنساء مسكينات ميتات، ملطخات كلهن بدمائهن.
- لكنه ليس كذلك، لا ولم يكن كذلك، ومعاذ الله أن أفعل شيئا مثل ذلك.
- ثم حلمت أنني أسرعت بالنزول من الرواق، وفي اللحظة التي هممت فيها بالنزول من الدرجات رأيتك يا سيد
فوكس قادما إلى باب الردهة، تجر خلفك امرأة شابة ومسكينة، غنية وجميلة.
- لكنه ليس كذلك، لا ولم يكن كذلك، معاذ الله أن أفعل شيئا مثل ذلك.
- أسرعت إلى أسفل الدرج، وفي نفس اللحظة التي اختبأت فيها خلف برميل، دخلت أنت يا سيد فوكس تجر المرأة
الشابة من ذراعها، وعندما مررت بجانبي يا سيد فوكس خيل لي أني رأيتك تحاول أن تنزع منها خاتمها الألماسي،
وعندما لم تستطع يا سيد فوكس، لقد بدا لي في حلمي أنك استللت سيفك وقطعت به يد الآنسة المسكينة لتحصل
على الخاتم.
- لكنه ليس كذلك، لا ولم يكن كذلك، ومعاذ الله أن أفعل شيئا مثل ذلك.
وعندما همّ أن يتكلم مجددا وهو يقوم من كرسيه، صرخت الآنسة ماري قائلة: "لكن الأمر كذلك، ولقد كان كذلك، وهذه يد وخاتم يجب أن أريكم إياهما" وسحبت اليد المقطوعة من ثوبها، ووجهتها مباشرة إلى السيد فوكس.
وفي الحال استل أخواها وأصدقاؤها سيوفهم وقطعوا السيد فوكس إلى آلاف الأشلاء.

رؤيتك حول الحياة المعاصرة


طلب منا أن نكتب مقالا عن رؤيتنا حول الحياة المعاصرة، وقبل أن أشرع في ذلك قفز إلى مقدمة عقلي تساؤل شغل تفكيري لوهلة، هل يمكن للإنسان العادي أن يبني نظرة شاملة ودقيقة لهذه الحياة ذات الخيوط المتشابكة والمعقدة تعقيدا عظيما، حيث التقنية أرخت سدولها على العالم أجمع بأمواج من المخترعات والآلات، والتي غيرت من وجه الأرض بوتيرة سريعة تفقد المرء أنفاسه وتتركه لاهثا مذهولا، حيث المادة وحب السيطرة أنشبا رماحهما في قلوب الخلق فغدوا لا يبالون كم من الدماء ستذرف وكم من الأرواح ستزهق في سبيل ذلك؟ لا أدري حقا إن كانت الإجابة ممكنة، ولكن إليكم هذه الخطرات.
إن كان الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى يرى أنه من يعش ثمانين عاما من أعوام زمانه لا بد أن يمل ويسأم، فإني أرى أن زماننا أقفل على السأم والملل في إحدى زواياه المقفرة، فلو أنه لم يكن لنا من مخترعات هذا العصر إلا شبكة الإنترنت التي تربط بين المشرقين والمغربين ربطا سريعا لكفى، فكيف وإنسان هذا العصر أبحر في الفضاء وغدا يستقصي أخبار المجرات البعيدة، وما هذا إلا قطرة من غيث، فأنى للمرء أن يصاب بالملل وسط هذه المعمعة التي لا تهدأ أركانها، وفي كل يوم تخرج علينا بثوب جديد، حتى أمسى العالم مكتظا بأنواع شتى من المذاهب والنظريات والأفكار والمخترعات والتي تعرض علينا كل عشية وضحاها، وأصبح عقل الإنسان غابة متنوعة الأشجار ومتشابكة الأغصان.أن يكون الشخص آمنا في سربه، معافى في جسده، مكتفيا بقوت يومه أمر مثالي جميل، ولكن حياتنا المعاصرة لن تسمح للمرء أن يقتصر على ذلك، ليس لأن القناعة أضحت خلقا مرفوضا، بل لأن هناك عشرات الفواتير ينتظرها المرء في نهاية الشهر، ولأنك إن أردت بدء تجارة فعليك أن تمر بمراحل عديدة، وأن تجهز حزمة من الملفات والأوراق، ولأنك إن أردت الحج لن تسم باسم الله وتركب ناقتك وتنطلق، بل عليك أن تنال رضا وزارة الصحة والأوقاف والشرطة والبلديات، أصبحت الحياة معقدة، وما زادها تعقيدا هذا التغير والتطور السريع الهائل، فما من شيء في زماننا يألفه الفتى حتى تأتيه الأخبار من كل حدب وصوب أنه أضحى عتيقا باليا، ووسائل الإعلام لا تقل خطرا ومنزلة في تعقيد حياتنا، وقلب الموازين رأسا على عقب، حيث أضحى القاتل بطلا، والمنسلخ عن هويته وعن ذاته مجددا، والمدمر لتراث أمته إصلاحيا متقدما.

رد بخيل على لائميه


يا لائمي: أنشبتم فيّ رماحَ لومِكم وعتابِكم، واتهمتموني زورا وبهتانا بما أنا منه براءٌ براءة الذئب من دم يوسف، رأيتموني على حين غرة فغرّكم مظهري واستهنتم بحالي وقد علمتم أنما المرءُ بأصغريه، ثم قادكم تسرعكم فغفلتُم عن نيتي ومقصدي وأسأتم تفسيرَ أعمالي وقد علمتم أن نيةَ المؤمنِ خيرٌ من عمل يديه، ثم تقاعستم عن طلب الحق فجهلتم منطقي وبياني وركنتم إلى الظنونِ وقد علمتم أن الجهلَ والظنَّ لا يُغنيان من الحق شيئا، لبستم كبرَكم وعنادكم وأعماكم صلفُ قلوبكم وضيقُ عقولكم، وتلك – تالله – مهلكة ما بعدها مهلكة، فإن أردتم البقاء على ذلك فأنتم وأنفسَكم وإلا فهلموا إلى ميزان الحق نحتكم، وإلى كتاب الله وسنة رسوله نختصم، وبطرائق العقل والحكمة نستنير ونفتهم، لنستبين أينا أشد غوايةً وأبعدَ عن الحق سبيلا.
يا لائمي: زعمتموني بخيلا، وما أدري أي شيطان وسوس لكم بهذه الفكرة، فما أنا إلا عبد ذليل يتوقى أن يقترف جرما في حق ربه المنعم الجليل، ويخشى أن يدخله في زمرة المغضوب عليهم يوم الدين، فالله صرح في قرآنه دون مواربة أنه لا يحب المسرفين، ورغم علمكم بآي الكتاب إلا أنكم استمررتم في غيكم ولم يردعكم نصح أولي الألباب، فوسمتموني بأشنع الصفات، ولمزتموني بأخس الألقاب، وأنا في أصل أمري متبع للمصطفى في هديه حيث يقول: بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، وحيث يقول: ولا يملأ بطن ابن آدم إلا التراب.
يا لائمي: تشنون علي هجماتكم وتشهرون بي بين الورى، وكلما لقيتموني لقنتموني التوبة والاستغفار، وأنتم - لو بصرتم بحالكم - أحق بهذه الملامة، وأولى أن تُملأ قلوبُكم حسرة وندامة، فقد أسرفتم في مآكلكم ومشاربكم، وتمخطرتم في ملابسكم، وتعاليتم في مساكنكم، ومشيتم في الأرض مرحا وتبخترا، وعددتم ذلك كرما وعزا وفخرا، وعددتم من خالف طريقتكم السقيمة بخيلا شحيحا، فإن كان الاقتصاد والتدبير وطاعة المولى القدير بخلا فأنعم به من صفة كريمة.
بخلوا فعمت في البلاد منافع وفاضت أرزاق وتمت فوائد
يا لائمي: لو استدبرتم من الحياة ما استدبرت، واستقبلتم منها ما استقبلت لعلمتم أنها فرس جموح لا يمكن للمسرف المهمل أن يروضها، ولأيقنتم أن سر البقاء هو في الحفظ والإبقاء، وجمع اللوازم واتخاذ الاحتياطات، وتقسيم رزقك المقسوم عليك على أيام حياتك بطريقة لا تتركك في نهاية المطاف ذليلا متسولا محتاجا، وقول من يقول أن الإيمان بالله والتوكل عليه والثقة بما عنده تجعل المرء ينفق دون خوف من الإفلاس هي كلمة حق وضعت في غير موضعها، فالله دعا في كتابه إلى الأخذ بالوسائل والأسباب، وما قصة يوسف عليه السلام عنكم بغريبة، فقد حفظ ما يبذرون في سنبله في سبع سنوات سمان استعدادا لسبع عجاف، وأنا إن قترت وأمسكت فذاك استعدادا لما يستقبلني من الأيام الشديدة وما أكثرها، وإن كتب الله علي الموت فإن أترك أبنائي من بعدي أغنياء خيرا من أتركهم عالة يتكففون الناس.
يا لائمي: إن كنت لا أشرب إلا الماء فما العيب في ذلك فالله جعل الماء سر الحياة فكيف تأمرونني أن أغير مشربي؟ أتريدونني أن أستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وكيف أدخل في أوردتي وشراييني ما لا تعرف مكوناته، ثم أنكم تتهكمون علي وترمونني بأقذع العبارات، لاقتصار مأكلي على التمر، يا إخوتي لمرة أنصتوا إلي: بكل بساطة أنا أحب التمر أعشقه عشقا يخالط سويداء قلبي، منذ أن ولدتني أمي وقد حنكني أبي بتمرة، ثم إن التمر غذاء عاش عليه أجدادنا عصورا مديدة وأمدهم بكل مقومات الحياة، وفوق ذلك فقد أثبت العلم الحديث فوائده العظيمة للصحة والجسم.يا لائمي: هذه حياتي فدعوني أعيشها، وهذا ديني فاتركوه لي، ولا تشغلوا بالكم فيما ترونه عيبا في ولا تملكون عليه دليلا، وانظروا لعيوبكم التي تملأ جيوبكم: واعلموا أن لومكم لا يؤثر علي شيئا فإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل